كيف أتعلم ببراعة ؟!

 

لنبدأ حديثنا بتساؤل حول التعلم، فما هو تعريف التعلم؟ حسب ويكيبيديا التعلم عبارة عن عملية لاكتساب فهم ومعرفة وسلوكيات ومهارات وقيم وتفضيلات جديدة. وكما نعرف يُفترض بهذه العملية أن تكون مستمرة منذ ولادتنا وحتى نهاية حياتنا. وعلى الرغم من أن الجميع يقوم بالتعلم بشكل واعي كالتحاقهم بمقاعد الدراسة أو عن طريق حضور دورات تدريبية ونحوها، أو بشكل غير واعي من المهارات والخبرات المكتسبة من الممارسات اليومية، إلّا أن المكتسبات من هذه العملية تختلف من شخص لآخر فهناك من هم نوابغ يبرعون في أكثر من مجال، وهناك من يحاول جاهداً التعلم في مجال معين وبالكاد يُفلح. إذا غضضنا النظر عن اختلاف القدرات الفردية للأشخاص سنجد أن هناك ممارسات يقوم بها المبدعون في التعلم تساعدهم على إتقان هذه العملية والمحافظة على ما اكتسبوه منها وتطبيقه في حياتهم بطريقة فعالة.

على سبيل المثال كان ليوناردو دافنشي بارعاً في الكثير من العلوم، فقد كان رساماً ونحاتاً ومخترعاً ومهندساً معمارياً وعالماً في الفلك والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم!. كما كان العالم المسلم جابر ابن حيان بارعاً في الفلك والهندسة والفلسفة والطب والصيدلة والكيمياء ولقب بأبو الكيمياء. كذلك كان العالم ابن سينا  طبيباً وعالم فلك وشاعراً وفيلسوفاً وفيزيائياً وعالم رياضيات!.  كيف فعلوا ذلك؟ كيف تمكنوا من إتقان العديد من الأشياء؟ ماهو سرّهم؟ والسؤال الأهم في هذا الموضع هل بإمكاننا أن نكون مثلهم؟

بكل بساطة، كان سِرهم أنهم متعلمون جيدون!. الفكرة الأساسية أن تكون جيداً في التعلم واكتساب المهارات، ومن بعدها ستكون جيداً في كل ماترغب به، سواءً كان ذلك رسماً أو لعب شطرنج أو ركوب خيل أو برمجة أو إتقان لغة جديدة.

فكيف نكون جيدين في التعلم ؟ بدايةً يجب علينا أن نفهم كيف تتم عملية التعلم لنقوم بعدها بممارسة أكثر أساليب التعلم فعالية لنصل لغايتنا في تعلم واتقان ما نرغب به. إليك ما يجب أن تعرفه عن التعلم:

بإمكاننا تعلم أي شيء نرغب به !

بدايةً ثق بنفسك و آمن بقدرتك على التعلم، كما قال جوزيف ميرفي في كتابه قوة عقلك الباطن: “سواء كان موضع ايمانك حقيقي أم مزيف، فسوف تحصل على نتائج. إن عقلك الباطن يستجيب للأفكار التي يحويها عقلك الظاهر.” عقلك كالتربة الخصبة ازرع ماشئت فيها من أفكار وستحصدها، فكن دائما على ثقة ويقين بقوتك، وتوقع من نفسك الأفضل دائماً.

لدى مكفوفي البصر القدرة على استخدام حواسهم الأخرى بقوة أكبر من المبصرين نتيجة اعتمادهم عليها و تعويد أنفسهم على الوصول بها لأقصى طاقتها، فالجزء من المخ المتعلق بالرؤية قد تضاءل واتسعت بمقابل ذلك أجزاء الحواس المختلفة الأخرى. من روائع ماتوصل إليه علماء النفس أن العقل البشري بطبيعته مرن، وذلك يعني أن عقلك سيتكيف و يطور نفسه مع ما تواصل ممارسته بشكل مستمر بحيث تتحسن في ممارسته.

وجد عالم النفس السويدي ك. اندريس إريكسون -والذي عُرف كباحث في الطبيعة النفسية للخبراء والأداء الإنساني- أن جودتك في مهارةٍ ما لا يتعلق بموهبتك فيها بقدر ما يتعلق بجودة واستمرارية ممارستك لها.

 إذا أردت أن تتعلم، عليك أن تدرب عقلك

حاول تذكر آخر محاضرة سمعتها أو آخر درس حضرته، كم بقي في عقلك من المعلومات التي تم ذكرها في ذلك الدرس؟ مجرد الاستماع للمعلوات أو قراءتها لا يدعم بقاء المعلومة في ذاكرتك. لأن عقلك بكل بساطة لم يكن في وضعية التشغيل لأنك كنت جالساً تستمع فقط بدون القيام بشيء آخر. لذلك يجب عليك أن تمرن عقلك وتجعله نشيطاً بالقيام بحل المسائل التدريبية وتحدي نفسك باستخدام المهارة التي تقوم بتطويرها. بالطبع الاستماع للمعلومات جزء من عملية التعلم لكن عليك تعزيز بقاء المعلومات في عقلك ومن طرق ذلك أن تقوم بإعادة شرح المعلومات لشخص آخر، فعندما تقوم بشرح فكرة معقدة ستحرص على أن تجمع أجزاء تلك الفكرة بشكل سليم في عقلك أولاً مما يساعدك على الفهم والتذكر بشكل أفضل.

نحن نتعلم بشكل أفضل عندما نهتم لأمر ما نتعلمه

كل ما كان ما تحاول تعلمه مهماً بالنسبة لك وكنت مستمتعاً بالعملية متشوقاً لها فإنك ستبرع في ذلك. ماذا عن تعلم ما لا نهتم حقاً لأمره؟

بكل صراحة يجب عليك أن تهتم!. هنالك الكثير مما نحن مجبرين على تعلمه ونحن حقا لا نكترث له، مما يصعب علينا المسألة ويعقد الأمور، فما علينا سوى محاولة الاكتراث و تخيل الفوائد التي ستعود علينا من هذه المعرفة والثمار التي سنجنيها جراء تطورنا في هذا الجانب مما يساعدنا على زيادة اهتمامنا بالأمر، ويستجيب عقلنا تبعاً لذلك فيتذكر ما نتعلمه بشكل أفضل.

نحن نتعلم بشكل أفضل عند حصولنا على تغذية راجعة لعملنا

عندما يتعلم الناس العزف على آلة موسيقية فإنهم يتطورون بالغالب بشكل سريع، يرجع ذلك إلى علمهم عند وقوعهم في خطأ، فأنت تسمع النغمة أو النوتة الخاطئة حينما تعزف فتعلم أنك أخطأت و تقوم بغيرها. أحد أهم الأسباب في أن ألعاب الفيديو ممتعة أنه تم تصميمها لتكون بيئة تعليمية سهلة تعتمد على أمرين، أولاً: تتم مكافأتك على القيام بحركات جيدة و معاقبتك على القيام بحركات سيئة، ثانياً: عندما تخطئ، فإنك تعرف بالضبط كيف أخطأت، حتى تعرف كيف لا تخطئ في المرة القادمة.

قال خبير الإدارة بيتر دراكر ذات مرة:

الكثير من المهارات في الحياة لا تقدم لك هذه الميزة أثناء تعلمها فأنت لاتعلم بالضبط كيف و متى و أين أخطأت، مما يجعل تطورك أمراً صعباً. لذلك من الواجب أن تكون حريصاً على حصولك على تغذية راجعة لعملك لتستطيع قياس أدائك ومستوى تطورك، كما يفعل معظم الشركات أثناء قياسهم لمؤشرات الأداء لديهم ليعرفوا إلى أين وصلوا وماذا ينقصهم ليتحسنوا.

نحن نتعلم بشكل أفضل عندما ندرس كل يوم

أظهرت الدراسات أن أفضل طريقة لتحسين أي شيء تقريباً هي ممارسته كل يوم. هذا يعني أنه يجب علينا تخصيص الوقت لذلك ودمجه في نظام حياتنا اليومي، فكل ما قلَّت ممارستك وتباعدت الأوقات بين ممارسة والأخرى ستنسى ما تعلمته، وستضطر للبدء من جديد.

بطبيعة الحال ستضطر أن تتخطى يوماً ونحوه لكن حاول قدر استطاعتك العودة سريعاً لممارستك. واجعل التعلم عادة يومية في روتينك اليومي، يُعد كتاب جيمس كلير العادات الذرية أحد أفضل الكتب التي تتحدث عن بناء العادت أوصي بقراءته وبشدَّة.

* في حال كنت تفضل الاستماع على القراءة إليك ملخص عن الكتاب على اليوتيوب: علاقة عاداتك وقوة عقلك الباطن – كتاب العادات الذرية – الجزء الاول

نحن نتعلم بشكل أفضل عندما نكون غير مرتاحين

في إحدى الدراسات، وجد الباحثون أن الناس كانوا أكثر عرضة لتذكر شيء مؤلم من شيء محايد. لأن العقل يفترض أن كل حدث مؤلم هو حدث مهم!، فيتذكره جيداً ليتمكن من تفاديه مستقبلاً. وهذا ينطبق على الألم المادي والمعنوي على حدٍ سواء.

حاول تحدي نفسك واخرج من منطقة الراحة، افعل شيئاً يخيفك! ضع نفسك في المواقف التي يجب عليك فيها فعلاً تصحيح الأمور، وإلا ستكون هناك عواقب. كلما زادت المخاطر كلما تذكرت أكثر، هذه أفضل طريقة للنمو.

إحدى الطرق للقيام بذلك هي عمل رهانات ودية بينك وبين الأصدقاء، مثلا ضع هدفاً صغيراً لتعلمك خلال مدة معينة وإن لم تصل إليه ستقوم بدفع مبلغ صغير إلى صديقك. هذه طريقة رائعة للتعلم لأنها تزيد من ألم الفشل، فعقلك حتماً سيتذكر مرارة خسارتك لهذا المال، ويدفعك إلى الإنجاز لكي لا تذوق مرارة الخسارة مرة أخرى.

 يطلق التعلم على ثلاث عمليات عليك أن تعرف الفرق بينهم !

أولاً: الأشياء التي يجب عليك فهمها.

وهي المبادئ الأساسية للموضوع الذي تحاول دراسته. على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تتعلم النظرية النسبية لأينشتاين، فيجب أن تكون قادرًا على تصور الكون المتعرج في رأسك. مجرد حفظ معادلاته لن يفي بالغرض. بشكل عام، الطريقة الجيدة لبناء فهمك هي شرح سبب كون الأمور على ما هي عليه.

ثانياً: الأشياء التي عليك حفظها.

وهي المعلومات التي يكون استرجاعها مفيداً بغض النظر عن مدى فهمك لها، كحفظ المفردات أثناء تعلمك للغة جديدة، ما دمت قادراً على استذكار الكلمات المطلوبة والصحيحة أثناء حديثك فإن ذلك كافي جداً ولا تحتاج إلى معرفة الأصول اللغوية للكلمات.

تعتبر طريقة التكرار المتباعد واحدة من أشهر الطرق المساعدة على التذكر.

ثالثاً:الأشياء التي عليك التدرب عليها.

مجرد معرفة المعلومة وحدها لا يكفي، عليك في الواقع بناء ذاكرتك العضلية.  وخير مثال هو ركوب الدراجة، لا يمكنك تعلم ركوب الدراجة من خلال قراءة كتب عن ركوب الدراجات، عليك في الواقع تجربة ركوب الدراجة.

بالطبع يجب عليك معرفة نوع التعلم المطلوب منك وعدم الخلط بينهم، واستخدام كل نوع بطريقة مناسبة، فمن يتعلم لغة جديدة لا يفيده أن يتعلم القواعد الإملائية ليتمكن من إجراء محادثة على سبيل المثال، يجب عليه أن يتدرب بخوض محادثات فعلية ليتمكن من التعلم.

إذا كنت تريد أن تتعلم، عليك أن تضع غرورك جانبًا

ذات مرة، ذهب فنان قتالي أمريكي إلى الصين للدراسة مع معلم كونغ فو أسطوري. عندما التقى به، بدأ يتفاخر بكل الأشياء التي قام بها. قال: “أنا حائز على الحزام الأسود في التايكواندو”. “وأنا أيضًا أحد أفضل المنافسين البرازيليين في رياضة الجوجيتسو في العالم.”

وبينما كان يثرثر باستمرار، بدأ المعلم في صب كوب من الشاي للطالب. فسكب وصب وسكب، حتى فاض الكوب، وانسكب الشاي الساخن في حجريهما، قال الطالب: “لماذا فعلت ذلك؟”

قال السيد: “كأسك ممتلئ جدًا”. “إذا أردت أن تتعلم، عليك أن تفرغ كوبك.”

المغزى من هذه القصة هو أنه عندما تتعلم شيئًا ما، عليك أن تتعامل مع كل الأمور وكأنك لا تعرف شيئًا. لأنه إذا كنت تعتقد أنك تعرف كل شيء بالفعل، فلن تتمكن من تعلم أي شيء. إذا كنت تريد أن تصبح متعلمًا عظيمًا، فعليك أن تتغلب على ذلك. عليك أن تفترض أن هناك الكثير من الأشياء التي لا تعرفها. ثم عليك أن تضع غرورك جانبًا وتتعلمه.

بعد كل ما تعلمناه .. هل تريد أن تكون متعلماً بارعا ؟

أفضل ما يمكنك عمله هو الممارسة. لذلك أنصحك بالتالي : اختر شيئا ترغب بتعلمه – مهارة أو شيء لم تفعله من قبل وكنت دائماً مهتماً به- ثم قم بوضع أهداف لمراحل تعلمك واقعية قابلة للقياس. بعد ذلك قم بتحديد إطار زمني للانتهاء من كل هدف فأغلب المهام المفتوحة المدى لاتُنجز، كما أن إجبار نفسك على الانتهاء بمدة معينة سيدفعك إلى بذل المزيد من الجهد ويدفعك على تغيير أساليب تعلمك عندما لا تنجح ويمنحك شعوراً رائعا عندما تنجز الهدف.

بمجرد تحقيق هدف صعب، ستشعر بأنك قادر على فعل أي شيء تضعه في ذهنك ويعطيك ذلك الشجاعة لتجربة أشياء أصعب.

في النهاية ستشعر أنك قادر على فعل أي شيء!

ترجمة بتصرف لمقالة : How learning works

One thought on “كيف أتعلم ببراعة ؟!

Comments are closed.